ماذا تبقى من مساجد المدينة المنورة؟

لا أدري ما هو سبب سكوت وزارة الأوقاف أو الشؤون الإسلامية أو البلدية أو غيرها في المملكة العربية السعودية عمن يقوم بعمليات هدم وإزالة بين المساجد التاريخية في المدينة المنورة.



كتب التاريخ لا تورد لنا شيئاً من هذا لكن التاريخ المعاصر يثبت أن مساجد صدر الإسلام آخذة في الاختفاء والتناقص شيئاً فشيئاً دون أن نسمع من الهيئة العليا للسياحة ولا من أي من الوزارات المعنية تعليقاً أو إشارة مما يؤدي إلى وضع المسلمين أمام أمر واقع بإزالة المعمار الإسلامي الأول واستبداله بآخر مرمري لامع أو بإحدى ناطحات السحاب أو بإحدى المصارف الحديثة أو بشارع مسفلت فحسب. والحدث الجديد والذي لا أدري كم مضى عليه من الزمن هو إزالة ستة من المساجد السبعة التي بنيت على مواقع صلى فيها الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته أثناء غزوة الخندق ولم يُستبق منها إلا مسجد الفتح وهو مسجد مهمل حالياً على تبة تطل على الخندق وجبل سلع الذي تحول إلى مسجد ضخم فاخر ابتلع المنطقة كلها. هل هذا هو التطور والتحديث الذي نسعى إليه؟
إن هذه المساجد هي إما مساجد بناها النبي (صلى الله عليه وسلم) وصلى فيها كمسجد قباء والمسجد النبوي ومسجد الفضيخ أو هي مساجد صلى في موضعها واتخذها الصحابة رضي الله عنهم مساجد كمسجد الإجابة وبني أنيف وبني حرام وبني دينار وبني ظفر والجمعة ودار سعد بن خيثمة والسجدة والشيخين وعتبان بن مالك والعصبة والميقات وغيرها، ومنها مساجد بناها الصحابة وكانوا يصلون فيها فجاء إليهم الرسول (صلى الله عليه وسلم) في مسجدهم كمسجد القبلتين الذي كان مسجد بني سلمة ومسجد بنو حارثة أو المستراح ومنها مساجد صلى النبي وأصحابه في موضعها لكن لم يبن عليه مسجد إلى أن جاء عمر بن عبدالعزيز فقام ببنائها في الأماكن التي صلى فيها النبي (صلى الله عليه وسلم) كمسجد الراية ومشربة أم ابراهيم والسقيا وبني قريظة والفسح والغمامة أو المصلى ومسجد أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وبني دينار والمساجد السبعة وجدد الأخرى خلال ولايته على المدينة المنورة بين عامي 87-93 هـ. وهو ما عرف بالبناء العمري ثم قام السلاطين العثمانيون بتجديدها وترميمها في عصور مختلفة ومن بعدهم العهد السعودي.
وقصة مساجد الفتح التي أزيلت حديثاً مرتبطة بغزوة الخندق أو غزوة الأحزاب التي أصاب المسلمون فيها شدة كبيرة. وتقع المساجد السبعة على سفح جبل سلع وصلى عليه الصلاة والسلام في الساحة المعروفة بالمساجد السبعة أثناء الغزوة، وكان يدعو فيها على الكفار حتى جاءته البشرى بالفتح في اليوم الثالث. وعرفت المساجد بمسجد الفتح وهو الأكبر، ومسجد سلمان الفارسي ومسجد أبي بكر الصديق ومسجد علي بن أبي طالب ومسجد عمر بن الخطاب ومسجد سعد بن معاذ ومسجد فاطمة الزهراء. وقد اختلف ما إذا كانت المساجد سبعة أو أربعة أو ستة فقط، ويبدو أن بعض الأسماء كانت تختلط ببعضها بعضا فيطلق على مسجد سعد بن معاذ مسجد فاطمة الزهراء وعلى مسجد أبي بكر مسجد عمر بن الخطاب وهكذا. ويرى البعض أن مسجد الراية هو السابع أو مسجد بني حرام. وبغض النظر على الاختلاف في المسميات أو الأعداد فإن واقع الأمر اليوم أن هذه المساجد بخلاف واحد منها قد هدمت وأزيلت. وهو ما نتوقف عنده بعلامة استفهام كبيرة حول المسؤول والمسؤولين والغرض من القضاء على آثار خير البشر واستبدالها بما هو دون ذلك. فالآثار سواء كانت دينية أو غير دينية هي حق للأجيال وللشعوب وللإنسانية وليست من حق فئة محدودة من البشر لا سيما إن كنا نتحدث عن آثار إسلامية ملكيتها تعود إلى العالم الإسلامي عبر القارات وعبر العصور وليس من حقنا كأقلية مكلفين على رعايتها في الوقت الحاضر أن نتصرف فيها بالتدمير أو الإزالة مهما كانت الأسباب. وبخلاف بيت الله الحرام ما هو المكان الأبرك والأطهر من بقعة صلى فيها الحبيب المصطفى عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم؟