إخوة الإبداع في السرد و القصة تحية محبة و سلام
الإثنين نوفمبر 10, 2008 8:42 am
قصة منير الطفل اليتيم
( قصة حقيقية )
أ . تحسين يحيى أبو عاصي
غزة – فلسطين
*********************************
ماتت أمه في مرض نفاثها وهو في
الساعات الأولى من عمره ، وتزوج أبوه من امرأة ظالمة لا تعرف الرحمة إلى قلبها
سبيلا ، فعاش طفلا يتيم الأم ، كما عاش يتيم الأب على الرغم من أن أباه لازال على
قيد الحياة .
بلغ اليتيم منير الرابعة من عمره ؛ ليمضي أربع سنوات حافلات
بالكراهية والحقد والقمع والقهر لبراءة طفولته المعذبة .
مسكين ذلك الطفل البريء
، الذي حرمه القدر حضن أمه ولبنها الحنون ، كانت كل معالم الظلم والوحشية ظاهرة على
معالم وجهه الملائكي البريء ، كما كان دائما يجلس وحيدا لا يلعب مع أقرانه ، شارد
الذهن ، ذابل الوجه ، حزين الفؤاد .
ولم يكن الأب الجاهل يعرف شيئا عن الوحشية
التي كان يتعرض لها فلذة كبده منير على أيدي زوجته الظالمة .
وفي يوم من الأيام
، دعت الزوجة أمها وأباها وإخوتها إلى تناول طعام العشاء في بيتها ، وكان البرد
قارصا ، والهواء عاصفا ، والدنيا مظلمة ، وإن تزينت بكل زينات الأرض والسماوات ،
فهي ظلمة مثل ظلمة تلك القلوب المتحجرة ، التي لم تذق في حياتها طعما للرحمة ولا
للحب أو الحنان .
وبعد أن قدمت الزوجة الظالمة طعام العشاء لضيوفها ، عمدت إلى
عزل الطفل اليتيم بمنأى عن الحاضرين ؛ ليتناول طعامه معزولا بمفرده وبعيدا عن
الأعين والأنظار ، إلا عن نظر أمه من فوق السماوات السبع .
تناول الجميع طعام
العشاء ، وظهرت علامات البهجة والسعادة على وجوههم كما ظهرت على كروشهم ، ثم انصرف
كل منهم إلى شأنه .
ولا يزال الطفل جالسا في منفاه الأبدي ، ينتظر قرار حكم
محكمة السماء ، دون أن يلفت غيابه حول مائدة الطعام نظر أو تفكير أبيه ، ولا حتى
أحدا من الحاضرين .
وعندما ذهب الأب ليخلد إلى النوم ، رأى في نومه زوجته
المرحومة أم منير تقول له : ارحم منير .
وفجأة صحا الرجل من نومه وسأل زوجته
الظالمة : كيف منير ؟ فقالت له : منير نائم .
بعد أن تناول الطفل اليتيم طعامه
منفردا حزينا ، محروما من أمه التي طال غيابها عنه ، ليغيب عطف أمه وحنانها إلى غير
رجعة ، أو يقضي الله أمرا كان مفعولا .
استسلم الطفل للنوم العميق تحت البرد
القارص ، والهواء العاصف والليل الحالك ، يفترش الأرض ويلتحف السماء ، ولا غطاء
يحميه من البرد ، إلا ما وعد به القدر الذي كان ينتظر براءة طفولته ، وعيونه
الذابلة ووجهه الحزين ...... إنها الحياة فما أشد آلامها .
عادت المرحومة أم
منير مرة ثانية بعد نصف ساعة من سابقتها إلى زوجها في نومه ؛ لتقول له ما قالته له
في المرة السابقة :ارحم منير .
وصحا الرجل مرة ثانية من نومه كما صحا في الأولى
، ثم سأل زوجته أيضا كما سألها من قبل : كيف منير ؟
فقالت له كما قالت من قبل :
منير نائم .
منير الوردة اليانعة التي لا تجد عناية لها غير عوامل التعرية
والفناء ، ينام في حضن البرد بدلا من حضن والده وزوجة أبيه .
وللمرة الثالثة
تأتي أم منير في النوم إلى زوجها وتطلب منه أن يرحم منير .
كان الأب في كل مرة
يصحو من النوم ويسأل زوجته : كيف منير ؟ وكانت الزوجة الظالمة تجيبه : منير نائم
.
تكرر قدوم المرحومة أم منير إلى زوجها في نومه ست مرات في ليلة واحدة ، وفي كل
مرة كان الأب يسأل زوجته عن منير، وكانت الأم تجيبه كعادتها : منير نائم .
لم
يجد منير في ليلته السوداء تلك من يبحث عنه ، ولا من يهتم به ، غير روح أمه
المرحومة ، التي جعلت من روحها له غطاءً ، ومن قلبها فراشا ، كما جعلت من كبدها
وسادة له وهو في بطنها ، وتدخلت عناية السماء لتروي تلك الريحانة الذابلة بماء
الحياة الأبدي الذي لا ينفذ .
عادت المرحومة أم منير إلى زوجها للمرة السابعة ،
ولكن هذه المرة لم تكن كسابقاتها فقد قالت لزوجها : منير هو عندي الآن
......
قام الأب من نومه مذعورا هلعا ليتفقد منير اليتيم ، الذي لم ينم على
فراشه ولا في غرفته مثل أقرانه في طفولتهم ، بل وجده نائما على البلاط نومته
الأبدية ، في ليلة باردة ، وقد خرجت روحه إلى بارئها .
لقد فارقت أم منير رضيعها
منذ ساعاته الأولى ، لكن قلبها المفعم بحب طفلها لم يفارقه ، نعم إنه قلب الأم ،
فمن الذي يقدر على تقديرها حق قدرها ؟ .
فال أمك قال ثم من قال أمك قال ثم من
قال أمك .
فويل للقاسية قلوبهم
( قصة حقيقية )
أ . تحسين يحيى أبو عاصي
غزة – فلسطين
*********************************
ماتت أمه في مرض نفاثها وهو في
الساعات الأولى من عمره ، وتزوج أبوه من امرأة ظالمة لا تعرف الرحمة إلى قلبها
سبيلا ، فعاش طفلا يتيم الأم ، كما عاش يتيم الأب على الرغم من أن أباه لازال على
قيد الحياة .
بلغ اليتيم منير الرابعة من عمره ؛ ليمضي أربع سنوات حافلات
بالكراهية والحقد والقمع والقهر لبراءة طفولته المعذبة .
مسكين ذلك الطفل البريء
، الذي حرمه القدر حضن أمه ولبنها الحنون ، كانت كل معالم الظلم والوحشية ظاهرة على
معالم وجهه الملائكي البريء ، كما كان دائما يجلس وحيدا لا يلعب مع أقرانه ، شارد
الذهن ، ذابل الوجه ، حزين الفؤاد .
ولم يكن الأب الجاهل يعرف شيئا عن الوحشية
التي كان يتعرض لها فلذة كبده منير على أيدي زوجته الظالمة .
وفي يوم من الأيام
، دعت الزوجة أمها وأباها وإخوتها إلى تناول طعام العشاء في بيتها ، وكان البرد
قارصا ، والهواء عاصفا ، والدنيا مظلمة ، وإن تزينت بكل زينات الأرض والسماوات ،
فهي ظلمة مثل ظلمة تلك القلوب المتحجرة ، التي لم تذق في حياتها طعما للرحمة ولا
للحب أو الحنان .
وبعد أن قدمت الزوجة الظالمة طعام العشاء لضيوفها ، عمدت إلى
عزل الطفل اليتيم بمنأى عن الحاضرين ؛ ليتناول طعامه معزولا بمفرده وبعيدا عن
الأعين والأنظار ، إلا عن نظر أمه من فوق السماوات السبع .
تناول الجميع طعام
العشاء ، وظهرت علامات البهجة والسعادة على وجوههم كما ظهرت على كروشهم ، ثم انصرف
كل منهم إلى شأنه .
ولا يزال الطفل جالسا في منفاه الأبدي ، ينتظر قرار حكم
محكمة السماء ، دون أن يلفت غيابه حول مائدة الطعام نظر أو تفكير أبيه ، ولا حتى
أحدا من الحاضرين .
وعندما ذهب الأب ليخلد إلى النوم ، رأى في نومه زوجته
المرحومة أم منير تقول له : ارحم منير .
وفجأة صحا الرجل من نومه وسأل زوجته
الظالمة : كيف منير ؟ فقالت له : منير نائم .
بعد أن تناول الطفل اليتيم طعامه
منفردا حزينا ، محروما من أمه التي طال غيابها عنه ، ليغيب عطف أمه وحنانها إلى غير
رجعة ، أو يقضي الله أمرا كان مفعولا .
استسلم الطفل للنوم العميق تحت البرد
القارص ، والهواء العاصف والليل الحالك ، يفترش الأرض ويلتحف السماء ، ولا غطاء
يحميه من البرد ، إلا ما وعد به القدر الذي كان ينتظر براءة طفولته ، وعيونه
الذابلة ووجهه الحزين ...... إنها الحياة فما أشد آلامها .
عادت المرحومة أم
منير مرة ثانية بعد نصف ساعة من سابقتها إلى زوجها في نومه ؛ لتقول له ما قالته له
في المرة السابقة :ارحم منير .
وصحا الرجل مرة ثانية من نومه كما صحا في الأولى
، ثم سأل زوجته أيضا كما سألها من قبل : كيف منير ؟
فقالت له كما قالت من قبل :
منير نائم .
منير الوردة اليانعة التي لا تجد عناية لها غير عوامل التعرية
والفناء ، ينام في حضن البرد بدلا من حضن والده وزوجة أبيه .
وللمرة الثالثة
تأتي أم منير في النوم إلى زوجها وتطلب منه أن يرحم منير .
كان الأب في كل مرة
يصحو من النوم ويسأل زوجته : كيف منير ؟ وكانت الزوجة الظالمة تجيبه : منير نائم
.
تكرر قدوم المرحومة أم منير إلى زوجها في نومه ست مرات في ليلة واحدة ، وفي كل
مرة كان الأب يسأل زوجته عن منير، وكانت الأم تجيبه كعادتها : منير نائم .
لم
يجد منير في ليلته السوداء تلك من يبحث عنه ، ولا من يهتم به ، غير روح أمه
المرحومة ، التي جعلت من روحها له غطاءً ، ومن قلبها فراشا ، كما جعلت من كبدها
وسادة له وهو في بطنها ، وتدخلت عناية السماء لتروي تلك الريحانة الذابلة بماء
الحياة الأبدي الذي لا ينفذ .
عادت المرحومة أم منير إلى زوجها للمرة السابعة ،
ولكن هذه المرة لم تكن كسابقاتها فقد قالت لزوجها : منير هو عندي الآن
......
قام الأب من نومه مذعورا هلعا ليتفقد منير اليتيم ، الذي لم ينم على
فراشه ولا في غرفته مثل أقرانه في طفولتهم ، بل وجده نائما على البلاط نومته
الأبدية ، في ليلة باردة ، وقد خرجت روحه إلى بارئها .
لقد فارقت أم منير رضيعها
منذ ساعاته الأولى ، لكن قلبها المفعم بحب طفلها لم يفارقه ، نعم إنه قلب الأم ،
فمن الذي يقدر على تقديرها حق قدرها ؟ .
فال أمك قال ثم من قال أمك قال ثم من
قال أمك .
فويل للقاسية قلوبهم
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى